تشير الكثير من الدراسات المتعلقة ببؤر انتشار كوفيد-19 إلى نتائج مقلقة، إذ تعتبر مرافق الإقامة السيئة التي تقيم فيها العمالة الوافدة غير الماهرة من أهم البؤر لانتشار المرض، وذلك بسبب افتقارها إلى المقومات الأساسية من مساحة وصحة ونظافة عامة.
ففي سنغافورة، على سبيل المثال، التي ورد ذكرها في العديد من هذه الدراسات، نجد أن 88% من الإصابات المؤكدة محليًا في مايو 2020 كانت بين العمال المهاجرين المقيمين في مساكن مشتركة مكتظة، وفقًا لتقرير حول الطب البيئي والوظيفي صادر عن المجلة الطبية البريطانية (BMJ) فقررت الحكومة السنغافورية توسيع نطاق قانون مساكن الموظفين الأجانب (FEDA) بهدف تعزيز الصحة العامة والسلامة، والأمن والنظام العام في جميع مساكن العُمال بغض النظر عن حجمها.
وفي السلطنة، أشارت دراسة مستقلة، تناولت محافظة مسقط، إلى أن 61% من إجمالي حالات الإصابة المؤكدة خلال الفترة من فبراير إلى يوليو 2021 كانت في بؤر بمساكن للعمال.
وقد سلطت دراسة بعنوان “بؤر انتشار كوفيد 19 في مواقع عمل بمحافظة مسقط: علم الأوبئة والتأثيرات المستقبلية” الضوء على حقيقة أن العديد من المؤسسات في المحافظة توفر لعمالها مساكن مكتظة ووسائل مواصلات ومرافق مشتركة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسب انتشار العدوى بشكل مثير للقلق.
على الرغم من أن منظمة العمل الدولية وضعت معايير محددة لمشاركة الأماكن بسلامة، ولكن، للأسف، ليس من الغرابة وجود عشرين عامل أو أكثر في مساكن ضيقة واشتراكهم في استخدام دورة مياه واحدة.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يشير المصطلح “3C” إلى الأماكن المكتظة والضيقة والمغلقة، وهذا ما يلخص وصف الأوضاع المعيشية التي يعاني منها مئات الآلاف من العمال المهاجرين في جميع أنحاء العالم. في الواقع، طالما شدّدت منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية على ضرورة إيلاء الاهتمام الكافي لما قد يتعرض له الأفراد في مثل هذه الظروف من مخاطر صحية وبائية و مخاطر مرتبطة بطبيعة عملهم وكوارث طبيعية.
إن المؤسسات والشركات التي تقتطع من تكاليف مساكن العمال أو تخشى من ارتفاع تكاليف تحسين هذه المرافق قد تخسر في المقابل مبالغ أكبر نتيجة لانخفاض إنتاجية العمال وضياع الوقت بسبب مرض العمال أو ارتفاع تكلفة الفواتير الطبية، خاصةً في الوقت الحالي.
أما على الصعيد الوطني، فقد تتمثل تداعيات ذلك في ارتفاع المخاطر بالنسبة للمجتمعات المجاورة وإلقاء عبء إضافي على المرافق الصحية الحكومية وبطء التعافي الاقتصادي وإظهار صورة غير إيجابية عن حقوق الإنسان في البلد.
عليه، فإن المسؤولية تقع على عاتق أصحاب العمل من مؤسسات وشركات للالتزام بالمبادئ من الناحية الأخلاقية أولاً واتخاذ وتطبيق القرارات ذات الصلة ثانياً.